السبت، 23 يونيو 2012

 تربية دينية
تن تن تن تن
ضرب جرس الحصة السادسة وبدأت ملامح الحصة السابعة والآخيرة بالظهور. يسعد  أيما سعادة بسماع صوت " تن تن تن " هذا بالذات ، ربما أكثر من " تن تن تن " التى تعلن دخول الفسحة حيز التنفيذ لأن هذا معناه العودة الى المنزل والاستراحة من الحصص المملة. كان ليكون أكثر سعادة بسماع صوت " تن تن تن " هذا لو لم تكن الحصة الآخيرة هى حصة التربية الدينية.
- يلا بقى مع السلامة.
- امشوا .
- يلا بقى عايزين ناخد الحصة بتاعتنا .
أخذ يجمع كراريسه وأقلامه ويضعها فى حقيبته المدرسية وهو يعض على شفتيه. كم يتمنى أن يضربهم جميعا ولكنه هو من سيعاقب وليسوا هم . الأستاذ مثلهم ومن ملتهم فلن يعاقبهم أبدا ، كما أنه راض تماما عما يفعلونه ويشاركهم اياه.
- بس بقى يا ولاد ، كفاية ، دول برضه ضيوف عندنا.
أخذ حقيبته وحملها على ظهره ونزل مع بقية زملائه التسعة الى " أوضة الدين " كى يحضروا الحصة تاركين الأرض لملاكها .
دخلوا الى " أوضة الدين " أو " خرابة الدين " كما يسمونها. فهى غرفة تحت الأرض يهبط اليها بدرجتين حجريتين، حوائطها مليئة بالشروخ العميقة وسقفها يتمنى الهبوط بأقصى سرعة لأنه لم يستطيع التحمل ، رائحة التراب والعطن تفوح منها وتدخل الى رئات الأطفال العشرة .
تكتب المدرسة حديثة السن الدرس على السبورة وبينما تفعل ذلك ، يهبط مدير المدرسة كى يطمئن على الطلاب.
- أهلا يا أبونا ، اتفضل.
- شكرا يا مس رحاب ، بس انا مش عايز اعطل الحصة.
يدخل المدير فى حديث مع المدرسة بينما يتهامس الطلاب فيما بينهم :
- هى بتقوله يا أبونا ليه ؟ هى مسيحية ؟ المفروض متقولوش يا أبونا.
- ايوه ، المسيحين بس هما اللى يقولوا.
- طب ماهو قسيس تقوله ايه.
- تقوله يا أستاذ زى مس وفاء.
- عارفين انا قلت لماما ان المس بتقوله يا ابونا ، قالتلى دى معندهاش كرامة ولا دين.
- ايوه وماما كمان قالت كده ، انا مش بحب المس دى ، مس وفاء كانت أحسن هى سبتنا ليه؟
- المدير مشاها عشان مش بتقوله يا ابونا.
ينصرف المدير وتعود المدرسة وتنتهى الثرثرة ليبدأ الدرس.
بعدها بعام.
تن تن تن 
يدق جرس المدرسة معلنا عن وصول الماراثون الدراسى الى محطته الآخيرة. لايزال يسعد بهذا " التن التن التن" مثل أيام المدرسة الابتدائية ولازالت سعادته به غير مكتملة لأنها حصة التربية الدينية.
أخذ يجمع أدواته المدرسية فى حقيبته استعدادا للهبوط الى " أوضة الدين " فى هذه المدرسة مهيئا رئته لرائحة العطن والتراب ورأسه للتهشم من السقف الذى من المؤكد سيقع على رأسه هذه المرة.
استوقفه أحد زملائه قبل أن ينزل متسائلا:
- انت رايح فين ؟
- نازل حصة الدين ؟
- نازل فين احنا هناخد حصة الدين فى الفصل.
- ازاى طب والمسيحين هيروحوا فين ؟
- هينزلوا ياخدوا الحصة فى الحوش.
- يعنى احنا اللى هنقعد فى الفصل!
- ايوه يا ابنى مالك فرحان كده ليه؟
- يعنى هما اللى هينزلوا.
- ايوه طبعا هما خمسة واحنا الفصل كله يبقى مين اللى هينزل يا ذكى ؟
سعادة غامرة اجتاحته ورسمت آثارها على وجهه. رمى حقيبته على المقعد وجلس مرتاحا عليه وأخذ ينظر فى شماتة الى الضيوف يلملمون حاجياتهم فى ذلة وينصرفون فى صمت تاركين الأرض لأصحابها.
منذ ذلك الحين لم يحزن قط عند سماع تن تن تن يعلن دخول حصة التربية الدينية واكتملت سعادته ب " تن تن تن " الحصة الآخيرة عندما تكون تربية دينية ولم يعد يعكر صفوها شىء. فقد صار الآن من ملاك الأرض ولم يعد ضيفا يجب عليه التنازل.
23/6/2012
رضوى.

هناك 5 تعليقات:

  1. ذكية، لماحة، بتحطى نفسك مكان الاخر
    ممكن اقولك انك اخدتيها من على طرف صوابعى :D
    اجمل حاجه انى لقيت حد فكر ف اللى فكرت فيه

    جميلة :)
    دى المدونه بتاعتى :)
    http://o-n-l-i-f-e.blogspot.com/

    ردحذف
  2. ميرسى يا تسنيم على مرورك واهتمامك ورايك الجميل ده
    وعلى فكرة القصة دى حصلتلى فى مدرستى فى ابتدائى

    ردحذف
  3. جميلة جدا القصة و المغزى منها عميق و خطير جدا..و يمكن ده حصل مع أغلبيتنا في المدرسة،و ده لازم يخلينا نفكر في حل محترم غير جارح،فإن كان بعضنا عجز عن قبول الاخر و جعل منه غريب،فعلى الأقل نجد و لو صيغة بدون روح تجمعنا..أشكرك على الفكرة و على الصياغة الجميلة..تحياتي

    ردحذف
  4. ميرسى يا احمد على متابعتك ورايك فى القصة
    وزيادة على اللى انت قولته القصة بتكشف عن صناعة التعصب ومدى الازدواجية اللى احنا فيها. اننا نبقى بندى حصص دين نعلم فيها التسامح وفى نفس الوقت ندى مثال عملى للاطفال فى التعصب فيرسخ فى نفوسهم التعصب اللى اتعلموه عمليا ويتمحى من دماغهم التسامح اللى اتعلموه نظريا وفى النهاية محدش بيقدر يبقى متسامح بنسبة 100%

    ردحذف