الثلاثاء، 26 يونيو 2012


مناجاة فى النفس الآخير.

 
كانت الأجواء كلها تشهد بأنها ساحة حرب حقيقية ،وبأن معارك يناير قد عادت لتتجسد من جديد بصورة أكثر عنفا ومرارة ، العشرات يتساقطون قتلى ، العيون تقتلع وسط صيحات النصر والتشجيع من جانب حماة الوطن على الأرض وسط بحر كثيف من الغاز المسيل للدموع وغازات الأعصاب التى تلقيها نسور حماية الوطن من الجو. وفى خضم كل ذلك ، كان هناك مثله مثل الكثيرين من زملائه الذين أعدمتهم الداخلية فعليا بالرصاص أو رمزيا باقتلاع أعينهم.  وقف يدافع ويدافع فقط ، يدافع عن ماذا ؟  ، عن وطن كاد يفقد حياته مرات ومرات لأجل أن يبنيه ﻓﺈذا به يجده متهما بالخيانة والعمالة والبلطجة؟
لماذا يدافع عنه وهاهو الآن يدق المسمار الآخير فى نعشه الذى أخذ يعده له على مدار عام كامل؟
لماذا يدافع عنه ولن يكتبه هذا الوطن فى صفحة شهدائه الأبرار بل سيحسره فى زمرة الخونة والعملاء والمخططين ﻹسقاط الوطن العظيم؟
لماذا يدافع عن وطن تنكر لكل ما قام به من تضحيات ورفع ﺇلى عنان السماء قوما ائتمنوا عليه فخانوه ؟
لماذا يدافع عن وطن فقأ عينيه بسبابته متهما ﺇياه بأنه سبب كل خراب البلاد بينما ينحنى شكرا للمذنب الحقيقى ؟
لماذا يدافع عن وطن يضعه تحت المقصلة فور ارتكابه لأى هفوة صغيرة بينما يتسامح ويعطى الفرصة مليون مرة ومرة لمن يرتكب ما هو أشد من هدم بيت الله؟
لماذا يفعل كل ذلك ؟
لماذا يقف فاتحا صدره للرصاص يقتله وللمدرعات تدهسه ولن يجنى شيئا من كل ذلك؟
أجنى شيئا من تضحياته السابقة وقتما كان الوطن يعصم أبناءه من اللجاج قبل أن يجعله الطوفان يضع أبناءه تحت قدميه فيدهس كل ما قاموا به بقدمه ويصبح نسيا منسيا ؟
ﺇذن لماذا ؟
لا يجد ﺇجابة فى نفسه على هذا السؤال ؟
وﺇنما اكتفى برسم ابتسامة ساخرة على وجهه جمعت كل حبه للوطن وحماسه لأجل الدفاع عنه مع كل ألمه وحزنه وشكوكه  وهو يرقد على الأرض ملتقطا أنفاسه الآخيرة
كان يبتسم بسخرية ويتهكم على نفسه قائلا :أيها الغبى ألم يكن باستطاعتك أن تموت فى يناير الماضى؟
لكنت الآن بطلا ومحسوبا من الشهداء ولكنت وجدت من يدافع عن حقك ومن يطالب بالقصاص لك .
لكنت سمعت أبناء وطنك يهتفون فى تشييعك "أين حق الشهيد" ولم تسمع " القصاص من الخائن"
يا ليت اليد الملائكية التى اختطفتك  من أمام مدرعة الشرطة لتوهبك الحياة من جديد قد تركتك هناك ولم تنقذك ، لكنت أصبحت شهيدا كما تستحق تضحيتك أن تتوج بهذا اللقب .
ولكن ما الفائدة من الموت الآن بعدما انتهى زمن الاستشهاد !
لا اعتراف بحق لك.
لا قصاص من قاتليك .
لا احتساب بكونك شهيد.
وستموت فى أرض الميدان وحيد.
بلا ثمن ، بلا أى ثمن.
فهذا هو قدر من يخونه الوطن.
 26/6/2012
رضوى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق